واشنطن العاصمة – ربما يشكل تغير المناخ أكبر تهديد يواجه البشرية اليوم. وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ، على العالم أن يخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050 من أجل منع الاحترار العالمي البالغ 1.5 درجة مئوية ، أو أكثر، أعلى من مستويات ما قبل الصناعة في هذا القرن. يتطلب هذا التحدي اتخاذ إجراءات فورية صارمة، لأن استثمارات البنية التحتية التي يقوم بها العالم اليوم ستحدد كثافة الكربون في مسار نموها لعقود.
ومع ذلك، على الرغم من الاعتراف الواسع بحجم التحدي المناخي وإلحاحه، لا تزال الانبعاثات في ازدياد، والأرض "تتعرض لضغوطات بشرية متزايدة"، و تتعرض غابة الأمازون لتهديد واسع النطاق.
يدور الكثير من النقاش المبكر حول المناخ حول ما إذا كان ينبغي للعالم اتخاذ إجراءات فورية صارمة للتخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري، أو اعتماد نهج تدريجي أكثر. جادل أصحاب النهج التدريجي بنجاح نسبي في أن التدابير الفورية الصارمة سوف تحمل تكاليف اقتصادية باهظة على المدى القصير.
لكن حدثت ثلاثة تطورات مؤخراً غيرت مجرى النقاش. أولاً، تهدد حلقات ردود الفعل المختلفة الناجمة عن الاحترار العالمي الآن بإحداث أضرار كبيرة وشيكة أكثر مما كان يعتقد سابقًا.
ثانيًا، انخفضت تكلفة الطاقة النظيفة بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعًا في السابق. وفقًا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، تعد مصادر الطاقة المتجددة بالفعل أرخص خيار للطاقة في معظم أنحاء العالم، تتصدرها تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. علاوة على ذلك، قد تنخفض تكلفة "التخضير" بشكل أسرع في المستقبل من خلال التعلم بالممارسة. ومن المحتمل أن يكون هذا هو الحال في التصميم الحضري والنقل والزراعة وحماية الغابات، وكلها تحتاج إلى الخضوع لفترة انتقالية خضراء.
أخيرًا، أصبحت العناصر الخارجية السلبية المباشرة لنموذج النمو العالي الكربون الحالي في العالم، مثل تلوث الهواء، تشير الآن بشكل أفضل على أنها إضافة إلى التكلفة القصيرة الأجل لتغير المناخ. وبالتالي، فإن تخفيضها سيعوض جزئيًا التكلفة الأولية للتخفيف.
تؤكد هذه التحولات على تظافر الجهود بشكل كبير لمتابعة أشكال التخفيف الأسرع والأكثر جرأة. كما خلص تقرير الاقتصاد المناخي الجديد لعام 2014 أنه ليس من الضروري وجود مفاضلة بين النمو والعمل المناخي القوي، حتى في المدى القصير
فلماذا لا يتم عمل المزيد؟ بداية، على الرغم من أن التحول الأخضر قد يكون له تكلفة إجمالية صافية صغيرة، إلا أنه من المؤكد إحداث مجموعة من الخاسرين (وكذلك الفائزين). وكما هو الحال في كثير من الأحيان في مثل هذه التحولات (على سبيل المثال مع تحرير التجارة)، سيتم توزيع المكاسب على أجزاء كبيرة من السكان، في حين أن الخسائر ستكون أكثر تركيزًا على مجموعات محددة، مما يجعلها أكثر وضوحًا ومدمرة سياسيًا.
عند الدفاع عن السياسات التي تؤدي إلى مكاسب إجمالية للرفاهية، كثيراً ما يفشل الاقتصاديون في إيلاء الاعتبار الكافي لتأثيرها الواسع المحتمل. بدلاً من ذلك، غالباً ما يفترضون ضمنياً أن الفائزين سيعوضون الخاسرين. لكن إذا لم يحدث هذا التعويض فعليًا، يُترك الخاسرون في وضع أسوأ ويمكنهم في كثير من الأحيان عرقلة التغيير، كما فعل متظاهرو "السترات الصفراء"منذ عام 2018 ، عندما اقترحت الحكومة الفرنسية فرض ضريبة جديدة على الوقود لفائدة المناخ
يتكون ائتلاف الأمر الواقع الذي يقاوم حاليًا المناخ من أمرين: أولا المصالح الخاصة التي تمتلك أصولًا كثيفة الاستهلاك للكربون (مثل شركات النفط) وثانيا المجموعات ذات الدخل المنخفض في الغالب والتي ستكون خاسرة على المدى القصير إثر التحول السريع. إن تعويض الأخير وعزل الأول أمر ضروري من الناحية السياسية.
لسوء الحظ، ليس من الواضح ، على سبيل المثال ، أن يكون سكان المدن الألمان الشباب الذين صوتوا لصالح حزب الخضر في انتخابات البرلمان الأوروبي هذا العام سعداء بتعويض عمال السيارات الأقدمين - ناهيك عن عمال مناجم الفحم البولنديين - الذين سيعانون خلال انتقال سريع. ومما يزيد الأمور تعقيداً أن المجموعات المعرضة لخطر الخسائر على المدى القصير نتيجة السياسات الخضراء غالباً ما تتحمل أيضا العبء الأكبر من الرقمنة والعولمة.
هناك عقبة أخرى أمام العمل الجريء وهي أن حماية المناخ تشكل منفعة عامة عالمية "مضافة"، لأنه لا يوجد سوى جو واحد وانبعاثات أي بلد تنضاف إلى الغازات الدفيئة العالمية بقدر ما تتضاعف الانبعاثات في أي بلد آخر. هذا يسبب مشكلة "تسرب الكربون" بسرعة. قد تخفض أوروبا من انبعاثاتها بما يتماشى مع (أو حتى بعد) أهداف اتفاقية باريس المناخية لعام 2015 ، ولكن إذا استمرت انبعاثات الهند والصين في التصاعد - أو إذا تركت البرازيل الأمازون عرضة للانهيار - فإن هذه الجهود ستظل بدون جدوى.
من الواضح أن العالم بأسره سيستفيد من حل تعاوني. ولكن بدون اتفاق دولي ملزم أو سلطة تتجاوز الحدود الوطنية يمكنها فرض سياسات خضراء عالمية، فإن قلة من الدول فقط سيكون لديها حافز للانخراط في جهود تخفيف كافية - مما يجعل الجميع في وضع أسوأ.
يتمثل أحد التدابير الممكنة لردع انبعاث الغازات الحر في فرض ضريبة حدود الكربون، كما اقترحت مؤخرًا الرئيسة الجديدة للمفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لين. يمكن للحكومات التي تفرض ضريبة على الكربون فرض ضريبة حدود مساوية للإعانات الضمنية المقدمة لصادراتها "القذرة" من قبل الحكومات التي لا تملك مثل هذه الضريبة. وهذا من شأنه أن يفرض فعلاً نوعًا من أسعار الكربون على هذه الحكومات، مما سيدفعها إلى إنتاج سلع معبأة أقل بالكربون
تسعير الحدود سيعزز الرفاهية العالمية شريطة أن يكون غير تمييزي ومطابقا لقواعد منظمة التجارة العالمية. لكن تحديد نوع الضريبة المناسبة سيكون صعبًا جدًا في الممارسة. وهذا يتطلب، على سبيل المثال، حساب المعادل الضريبي للسقوف التنظيمية. قد يدعو هذا الإجراء أيضًا دولًا مثل الولايات المتحدة إلى الرد بالإجراءات المشوهة، مما يجعلها خطرة إلى حد ما. علاوة على ذلك، من المحتمل أن تكون للضريبة عواقب توزيعية تنازلية، مما سيضر بالبلدان الفقيرة أكثر من غيرها. إذن، تتمثل الإستراتيجية الأفضل في رفع الاستثمارات الخضراء في البلدان النامية بشكل كبير، حيث تحفز بنوك التنمية المتعددة الأطراف التمويل الخاص بالإضافة إلى أموالها الخاصة.
قضايا التوزيع - وليست التكاليف الإجمالية - هي العقبة الحقيقية أمام السياسات الطموحة اللازمة لتجنب كوارث التغير المناخي المحتمل. هناك تحديات مماثلة، على الصعيدين الوطني والدولي، تؤثر قضايا التوزيع أيضًا على التحولات الناجمة عن ما يسمى بالثورة الصناعية الرابعة.
الشعبوية القومية الجديدة تتغذى بالفعل على المخاوف الناشئة عن التغيير التخريبي. عملية إزالة الكربون الطموحة قد تزيد من تأجيج هذه النيران إذا لم تكن مصحوبة بسياسات اجتماعية تسهل العملية بشكل فعال. لذلك، يجب على التقدميين في كل مكان الاتحاد ليس فقط لدعم الانتقال الأخضر السريع، ولكن أيضا للانتقال الممكن سياسياً والمرغوب فيه بالنسبة للغالبية العظمى من المواطنين - حتى على المدى القصير.
واشنطن العاصمة – ربما يشكل تغير المناخ أكبر تهديد يواجه البشرية اليوم. وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ، على العالم أن يخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050 من أجل منع الاحترار العالمي البالغ 1.5 درجة مئوية ، أو أكثر، أعلى من مستويات ما قبل الصناعة في هذا القرن. يتطلب هذا التحدي اتخاذ إجراءات فورية صارمة، لأن استثمارات البنية التحتية التي يقوم بها العالم اليوم ستحدد كثافة الكربون في مسار نموها لعقود.
ومع ذلك، على الرغم من الاعتراف الواسع بحجم التحدي المناخي وإلحاحه، لا تزال الانبعاثات في ازدياد، والأرض "تتعرض لضغوطات بشرية متزايدة"، و تتعرض غابة الأمازون لتهديد واسع النطاق.
يدور الكثير من النقاش المبكر حول المناخ حول ما إذا كان ينبغي للعالم اتخاذ إجراءات فورية صارمة للتخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري، أو اعتماد نهج تدريجي أكثر. جادل أصحاب النهج التدريجي بنجاح نسبي في أن التدابير الفورية الصارمة سوف تحمل تكاليف اقتصادية باهظة على المدى القصير.
لكن حدثت ثلاثة تطورات مؤخراً غيرت مجرى النقاش. أولاً، تهدد حلقات ردود الفعل المختلفة الناجمة عن الاحترار العالمي الآن بإحداث أضرار كبيرة وشيكة أكثر مما كان يعتقد سابقًا.
ثانيًا، انخفضت تكلفة الطاقة النظيفة بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعًا في السابق. وفقًا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، تعد مصادر الطاقة المتجددة بالفعل أرخص خيار للطاقة في معظم أنحاء العالم، تتصدرها تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. علاوة على ذلك، قد تنخفض تكلفة "التخضير" بشكل أسرع في المستقبل من خلال التعلم بالممارسة. ومن المحتمل أن يكون هذا هو الحال في التصميم الحضري والنقل والزراعة وحماية الغابات، وكلها تحتاج إلى الخضوع لفترة انتقالية خضراء.
أخيرًا، أصبحت العناصر الخارجية السلبية المباشرة لنموذج النمو العالي الكربون الحالي في العالم، مثل تلوث الهواء، تشير الآن بشكل أفضل على أنها إضافة إلى التكلفة القصيرة الأجل لتغير المناخ. وبالتالي، فإن تخفيضها سيعوض جزئيًا التكلفة الأولية للتخفيف.
SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions
Subscribe now to gain greater access to Project Syndicate – including every commentary and our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – starting at just $49.99.
Subscribe Now
تؤكد هذه التحولات على تظافر الجهود بشكل كبير لمتابعة أشكال التخفيف الأسرع والأكثر جرأة. كما خلص تقرير الاقتصاد المناخي الجديد لعام 2014 أنه ليس من الضروري وجود مفاضلة بين النمو والعمل المناخي القوي، حتى في المدى القصير
فلماذا لا يتم عمل المزيد؟ بداية، على الرغم من أن التحول الأخضر قد يكون له تكلفة إجمالية صافية صغيرة، إلا أنه من المؤكد إحداث مجموعة من الخاسرين (وكذلك الفائزين). وكما هو الحال في كثير من الأحيان في مثل هذه التحولات (على سبيل المثال مع تحرير التجارة)، سيتم توزيع المكاسب على أجزاء كبيرة من السكان، في حين أن الخسائر ستكون أكثر تركيزًا على مجموعات محددة، مما يجعلها أكثر وضوحًا ومدمرة سياسيًا.
عند الدفاع عن السياسات التي تؤدي إلى مكاسب إجمالية للرفاهية، كثيراً ما يفشل الاقتصاديون في إيلاء الاعتبار الكافي لتأثيرها الواسع المحتمل. بدلاً من ذلك، غالباً ما يفترضون ضمنياً أن الفائزين سيعوضون الخاسرين. لكن إذا لم يحدث هذا التعويض فعليًا، يُترك الخاسرون في وضع أسوأ ويمكنهم في كثير من الأحيان عرقلة التغيير، كما فعل متظاهرو "السترات الصفراء"منذ عام 2018 ، عندما اقترحت الحكومة الفرنسية فرض ضريبة جديدة على الوقود لفائدة المناخ
يتكون ائتلاف الأمر الواقع الذي يقاوم حاليًا المناخ من أمرين: أولا المصالح الخاصة التي تمتلك أصولًا كثيفة الاستهلاك للكربون (مثل شركات النفط) وثانيا المجموعات ذات الدخل المنخفض في الغالب والتي ستكون خاسرة على المدى القصير إثر التحول السريع. إن تعويض الأخير وعزل الأول أمر ضروري من الناحية السياسية.
لسوء الحظ، ليس من الواضح ، على سبيل المثال ، أن يكون سكان المدن الألمان الشباب الذين صوتوا لصالح حزب الخضر في انتخابات البرلمان الأوروبي هذا العام سعداء بتعويض عمال السيارات الأقدمين - ناهيك عن عمال مناجم الفحم البولنديين - الذين سيعانون خلال انتقال سريع. ومما يزيد الأمور تعقيداً أن المجموعات المعرضة لخطر الخسائر على المدى القصير نتيجة السياسات الخضراء غالباً ما تتحمل أيضا العبء الأكبر من الرقمنة والعولمة.
هناك عقبة أخرى أمام العمل الجريء وهي أن حماية المناخ تشكل منفعة عامة عالمية "مضافة"، لأنه لا يوجد سوى جو واحد وانبعاثات أي بلد تنضاف إلى الغازات الدفيئة العالمية بقدر ما تتضاعف الانبعاثات في أي بلد آخر. هذا يسبب مشكلة "تسرب الكربون" بسرعة. قد تخفض أوروبا من انبعاثاتها بما يتماشى مع (أو حتى بعد) أهداف اتفاقية باريس المناخية لعام 2015 ، ولكن إذا استمرت انبعاثات الهند والصين في التصاعد - أو إذا تركت البرازيل الأمازون عرضة للانهيار - فإن هذه الجهود ستظل بدون جدوى.
من الواضح أن العالم بأسره سيستفيد من حل تعاوني. ولكن بدون اتفاق دولي ملزم أو سلطة تتجاوز الحدود الوطنية يمكنها فرض سياسات خضراء عالمية، فإن قلة من الدول فقط سيكون لديها حافز للانخراط في جهود تخفيف كافية - مما يجعل الجميع في وضع أسوأ.
يتمثل أحد التدابير الممكنة لردع انبعاث الغازات الحر في فرض ضريبة حدود الكربون، كما اقترحت مؤخرًا الرئيسة الجديدة للمفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لين. يمكن للحكومات التي تفرض ضريبة على الكربون فرض ضريبة حدود مساوية للإعانات الضمنية المقدمة لصادراتها "القذرة" من قبل الحكومات التي لا تملك مثل هذه الضريبة. وهذا من شأنه أن يفرض فعلاً نوعًا من أسعار الكربون على هذه الحكومات، مما سيدفعها إلى إنتاج سلع معبأة أقل بالكربون
تسعير الحدود سيعزز الرفاهية العالمية شريطة أن يكون غير تمييزي ومطابقا لقواعد منظمة التجارة العالمية. لكن تحديد نوع الضريبة المناسبة سيكون صعبًا جدًا في الممارسة. وهذا يتطلب، على سبيل المثال، حساب المعادل الضريبي للسقوف التنظيمية. قد يدعو هذا الإجراء أيضًا دولًا مثل الولايات المتحدة إلى الرد بالإجراءات المشوهة، مما يجعلها خطرة إلى حد ما. علاوة على ذلك، من المحتمل أن تكون للضريبة عواقب توزيعية تنازلية، مما سيضر بالبلدان الفقيرة أكثر من غيرها. إذن، تتمثل الإستراتيجية الأفضل في رفع الاستثمارات الخضراء في البلدان النامية بشكل كبير، حيث تحفز بنوك التنمية المتعددة الأطراف التمويل الخاص بالإضافة إلى أموالها الخاصة.
قضايا التوزيع - وليست التكاليف الإجمالية - هي العقبة الحقيقية أمام السياسات الطموحة اللازمة لتجنب كوارث التغير المناخي المحتمل. هناك تحديات مماثلة، على الصعيدين الوطني والدولي، تؤثر قضايا التوزيع أيضًا على التحولات الناجمة عن ما يسمى بالثورة الصناعية الرابعة.
الشعبوية القومية الجديدة تتغذى بالفعل على المخاوف الناشئة عن التغيير التخريبي. عملية إزالة الكربون الطموحة قد تزيد من تأجيج هذه النيران إذا لم تكن مصحوبة بسياسات اجتماعية تسهل العملية بشكل فعال. لذلك، يجب على التقدميين في كل مكان الاتحاد ليس فقط لدعم الانتقال الأخضر السريع، ولكن أيضا للانتقال الممكن سياسياً والمرغوب فيه بالنسبة للغالبية العظمى من المواطنين - حتى على المدى القصير.